معايير مسؤولية الطبيب عن الخطأ الطبي في القانون المصري
بقلم
المستشار/ أشرف مشرف
المحامي بالنقض
الخطأ الطبي هو موضوع شديد الحساسية في المجتمع، حيث يتقاطع فيه البعد القانوني مع الجانب الطبي. تمثل قضية الخطأ الطبي إشكالية كبرى في القانون المصري، نظراً لأهمية تحقيق توازن دقيق بين حماية حقوق المرضى وضمان تقديم الرعاية الصحية بجودة عالية، وبين عدم تخويف الأطباء أو وضعهم تحت ضغط مستمر من جراء تهديدات قانونية محتملة. يسعى القانون إلى حماية المرضى من الأخطاء الطبية التي قد تعرض حياتهم وصحتهم للخطر، وفي الوقت ذاته يحاول توفير بيئة مهنية آمنة ومطمئنة للأطباء لكي يتمكنوا من أداء واجباتهم بكفاءة واطمئنان، دون الخوف من عقوبات قانونية صارمة في حال وقوع أخطاء غير مقصودة. هذه الإشكالية تتطلب نهجًا قانونيًا دقيقًا يوازن بين الطرفين لضمان تحقيق العدالة والحفاظ على جودة الرعاية الصحية.
ولذلك، يُعرف الخطأ الطبي في القانون المصري بأنه تقصير الطبيب في بذل العناية المطلوبة أو مخالفته للأصول العلمية والطبية المتعارف عليها، مما يؤدي إلى وقوع ضرر للمريض. يشمل الخطأ الطبي كل فعل خاطئ يصدر عن طبيب خلال أو بمناسبة ممارسته لمهنته، ولا يصدر عن طبيب يقظ في نفس الظروف.
وفي هذا السياق، يُلزم القانون المصري الطبيب ببذل العناية، وليس بتحقيق نتيجة محددة. يجب على الطبيب بذل الجهود الصادقة واليقظة التي تتفق مع الأصول العلمية الثابتة بهدف تحسين حالة المريض الصحية. الإخلال بهذا الالتزام يُعد خطأ طبيًا يثير مسؤولية الطبيب. تُشير المادة 701 من القانون المدني المصري إلى أن “الالتزام ببذل العناية يكون التزامًا شخصيًا يقضي بأن يبذل المدين العناية اللازمة في تنفيذ التزامه دون ضمان تحقيق نتيجة معينة”.
كما يمكننا تقسيم الخطأ الطبي إلى نوعين رئيسيين: الخطأ العمدي والخطأ بالإهمال. الخطأ العمدي يتمثل في الإخلال بواجب قانوني بقصد إلحاق الضرر بالمريض، بينما الخطأ بالإهمال يشمل غياب اليقظة والاحتياط اللازمين أثناء ممارسة العمل الطبي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تقسيم الخطأ الطبي إلى خطأ جسيم وخطأ يسير. الخطأ الجسيم يتطلب أن يكون الخطأ واضحًا وثابتًا بصورة قاطعة لا تحتمل الشك، بينما الخطأ اليسير يُعامل وفق المعايير العامة للمسؤولية، ولكن يبقى الطبيب مسؤولًا إذا أثبت التقصير في بذل العناية المطلوبة حتى لو كان الخطأ بسيطًا.
ويمكن توضيح المسؤولية القانونية للطبيب بأنها تنقسم إلى نوعين رئيسيين: المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية. المسؤولية الجنائية تقوم عندما يتسبب خطأ الطبيب في ضرر جسيم للمريض، مثل الوفاة أو العجز الدائم.
وفي هذا الإطار، تنص المادة 238 من قانون العقوبات المصري على أن “كل من تسبب بخطئه في موت شخص يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات. وإذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، أو كان متعاطيًا مسكرًا أو مخدرًا عند ارتكاب الخطأ الذي نجم عنه الحادث، تكون العقوبة أشد”. كما تنص المادة 244 من قانون العقوبات المصري على أن “كل من تسبب بإهماله في إصابة شخص بجروح أو مرض يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه. وإذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة، تكون العقوبة أشد”.
في سياق آخر، تنص المادة 60 من قانون العقوبات المصري على أنه “لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملًا بحق مقرر بمقتضى الشريعة”. هذا النص يوضح أن الطبيب قد يُعفى من المسؤولية إذا كان فعله مبنيًا على نية سليمة ووفقًا للمعايير المعترف بها.
أما المسؤولية المدنية، فتشمل تعويض المريض عن الأضرار التي لحقت به نتيجة الخطأ الطبي. تتعلق المسؤولية المدنية بتعويض المريض عن الأضرار المادية والمعنوية التي تعرض لها نتيجة إهمال أو تقصير الطبيب. يتم تحديد التعويضات بناءً على تقييم مدى الضرر الذي لحق بالمريض ومدى تأثير الخطأ الطبي على حياته وصحته. تنص المادة 163 من القانون المدني المصري على أن “كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”.
بالإضافة إلى ذلك، ينظم قانون تنظيم المهن الطبية مزاولة مهنة الطب في مصر، ويحدد الشروط اللازمة للحصول على ترخيص مزاولة المهنة. يشمل القانون مواد تحدد واجبات الأطباء والمعايير التي يجب اتباعها لضمان ممارسة آمنة وفعالة للمهنة. كما ينظم قانون نقابة الأطباء عمل نقابة الأطباء في مصر، ويحدد دورها في متابعة شكاوى المرضى ضد الأطباء والتحقيق في الأخطاء المهنية. تنص المادة 46 من قانون نقابة الأطباء على تشكيل لجان للتحقيق في الشكاوى المقدمة ضد الأطباء، وتحديد العقوبات المناسبة في حالة ثبوت الخطأ.
ومن المهم التمييز بين التدخل الجراحي العلاجي والتدخل الجراحي التجميلي لتحديد مسؤولية الطبيب. التدخل الجراحي العلاجي يهدف إلى علاج حالة مرضية أو تحسين صحة المريض ويتطلب موافقة المريض بناءً على تقديم شرح وافٍ للمخاطر والفوائد المحتملة. أما التدخل الجراحي التجميلي فيهدف إلى تحسين المظهر الخارجي للمريض بناءً على رغبته الشخصية وليس لعلاج حالة مرضية. يتطلب موافقة المريض بعد شرح مفصل للمخاطر والفوائد والإجراءات البديلة.
وفي هذا الصدد، تختلف مسؤولية الطبيب العادي عن مسؤولية طبيب التجميل بناءً على طبيعة الخدمات المقدمة وتوقعات المرضى. مسؤولية الطبيب العادي تعتمد على التزام الطبيب ببذل العناية وفقًا للمعايير الطبية المقبولة. بينما تعتمد مسؤولية طبيب التجميل على تحقيق النتائج المرجوة من الجراحة التجميلية، حيث يتوقع المرضى نتائج جمالية واضحة، وبالتالي يكون الطبيب مسؤولًا إذا لم تتحقق هذه النتائج.
ولإثبات الخطأ الطبي، يلعب القاضي دورًا حيويًا في تحديد مسؤولية الطبيب من خلال الاعتماد على مجموعة من المعايير لتقييم ما إذا كان الطبيب قد ارتكب خطأ طبيًا. معيار الرجل المعتاد يقيس سلوك الطبيب بسلوك طبيب آخر من نفس المستوى وفي نفس الظروف. معيار الإهمال الجسيم يتطلب أن يكون الخطأ واضحًا ومثبتًا بصورة قاطعة لا تحتمل الشك. معيار الإهمال اليسير يُعامل وفق المعايير العامة للمسؤولية، ولكن تبقى مسؤولية الطبيب قائمة إذا أثبت التقصير في بذل العناية المطلوبة حتى لو كان الخطأ بسيطًا.
ولكي نوضح أمثلة وتطبيقات قضائية على الخطأ الطبي، نجد أن عدم نقل المريض إلى القسم الطبي المختص في الوقت المناسب، وحقن المريض بمخدر دون التأكد من نوعه، وعدم استشارة طبيب آخر في حالات تستدعي ذلك. هذه الحالات توضح كيفية تطبيق المعايير القانونية لتقييم الخطأ الطبي.
وفي النهاية، تلعب الخبرة دورًا أساسيًا في إثبات الخطأ الطبي. يستعين القاضي برأي الخبراء لتحديد مدى تقصير الطبيب وتقييم السلوك الطبي بناءً على المعايير المهنية المعترف بها. تساعد هذه الخبرة في تقديم تقييم موضوعي للحالة الطبية وظروفها، وبالتالي تسهيل اتخاذ القرارات القضائية العادلة.
وبالنسبة لمعايير الخطأ الطبي في التشخيص والعلاج، تشمل الخطأ في التشخيص والخطأ في العلاج. الخطأ في التشخيص يتطلب تقييمًا دقيقًا لسلوك الطبيب ومدى اتباعه للمعايير الطبية المقبولة، بينما يتحمل الطبيب مسؤولية الخطأ في العلاج إذا استخدم أساليب علاجية غير مناسبة أو إذا كان هناك تقصير في متابعة حالة المريض بعد العلاج.
وفيما يتعلق بالعمليات الجراحية، تشمل المعايير القانونية لتقييم الخطأ الطبي عدة جوانب منها التخدير، التحضير للعملية، تنفيذ العملية، والمتابعة بعد العملية. يجب على الطبيب التأكد من استخدام المخدر المناسب، إجراء الفحوصات اللازمة، تنفيذ العملية وفقًا للأصول الجراحية المعترف بها، ومتابعة حالة المريض بعد العملية لضمان تعافي المريض بشكل كامل.
وبذلك، يُعتبر الخطأ الطبي في القانون المصري قضية معقدة تتطلب توازنًا دقيقًا بين حماية حقوق المرضى وضمان تقديم الرعاية الطبية بجودة عالية. تستند المعايير القانونية في تقييم الخطأ الطبي إلى الالتزام ببذل العناية والاحتياط اللازمين، وتقييم السلوك الطبي بناءً على الأصول العلمية والمهنية. من خلال تطبيق هذه المعايير بصرامة، يسعى القانون المصري إلى تحقيق العدالة وحماية المرضى من الأخطاء الطبية التي قد تُعرض حياتهم وصحتهم للخطر.
ashrf_mshrf@hotmail.com
www.ashrfmshrf.com/wp
00201224321055
01224321055
التصنيف: محامي جنائي
معايير الخطأ الطبي في القانون المصري
معايير الخطأ الطبي في القانون المصري
بقلم
المستشار/ اشرف مشرف
المحامي بالنقض
1. تعريف الخطأ الطبي
الخطأ الطبي في القانون المصري يعرف بأنه تقصير الطبيب في بذل العناية اللازمة التي تقتضيها الأصول العلمية والفنية للمهنة الطبية، مما يؤدي إلى وقوع ضرر للمريض. يتضمن هذا التعريف عدة جوانب، تتعلق بالتزام الطبيب ببذل الجهود الصادقة واليقظة التي تتفق مع الظروف القائمة والأصول العلمية الثابتة بهدف شفاء المريض وتحسين حالته الصحية.
2. المعيار العام في تقدير الخطأ الطبي
المعيار العام لتقدير الخطأ الطبي يعتمد على مبدأ بذل العناية، حيث أن التزام الطبيب ليس بتحقيق نتيجة معينة (شفاء المريض)، وإنما ببذل عناية وجهود صادقة ويقظة تتفق مع الأصول المستقرة في علم الطب. يقاس الخطأ الطبي على أساس سلوك الطبيب المماثل في نفس الظروف الخارجية المحيطة بالطبيب المسؤول.
3. أنواع الخطأ الطبي
يتنوع الخطأ الطبي إلى عدة أنواع، تتعلق بمدى جسامته وطبيعته، وهي:
أ. الخطأ العادي
هو الخطأ الذي يرتكبه الطبيب في سلوكه العادي اليومي والذي يكون بمخالفة واجب الحيطة المفروض على الجميع. مثال على ذلك، إجراء عملية جراحية في حالة سكر أو التخدير غير الصحيح قبل العملية.
ب. الخطأ المهني (الفني)
يتعلق بالإخلال بالأصول الفنية للمهنة، مثل الأخطاء في التشخيص أو العلاج أو الإجراءات الجراحية. يكون هذا النوع من الأخطاء مرتبطاً بتطبيق القواعد العلمية والفنية التي تحكم ممارسة الطب.
ج. الخطأ الجسيم
يعتبر الخطأ الجسيم تقصيراً فادحاً في مسلك الطبيب، مثل الجهل الفاضح بالمبادئ الأساسية للطب أو التجاوز الكبير عن المعايير المهنية المقبولة.
4. المعايير الموضوعية والشخصية لتحديد الخطأ
تستخدم المحاكم المصرية معيارين لتحديد الخطأ الطبي:
أ. المعيار الموضوعي
يقوم المعيار الموضوعي على مقارنة سلوك الطبيب بالسلوك المتوقع من طبيب عادي في نفس الظروف. يأخذ هذا المعيار في الحسبان الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب وقت وقوع الخطأ، مثل حالة المريض ومدى خطورة الوضع الطبي المتاح والإمكانات المتوفرة.
ب. المعيار الشخصي
يهتم المعيار الشخصي بالظروف الداخلية للطبيب، مثل قدراته الشخصية، ودرجة يقظته، وتعليمه، وصحته. رغم أن المحاكم قد تأخذ بالمعيار الموضوعي في كثير من الحالات، إلا أنها قد تأخذ بالمعيار الشخصي عند تقييم تصرفات الطبيب بناءً على حالته الخاصة.
5. الإجراءات القانونية والتأديبية
عند وقوع خطأ طبي، تتبع المحاكم والهيئات الصحية مجموعة من الإجراءات لتقييم مسؤولية الطبيب:
أ. التقاضي
يمكن للمريض أو ذويه رفع دعوى قضائية ضد الطبيب، ويتم تعيين خبراء طبيين لتقديم تقارير حول مدى وجود خطأ طبي. تعتمد المحاكم على هذه التقارير في إصدار الأحكام.
ب. المساءلة التأديبية
تقوم النقابات الطبية والهيئات الصحية بالتحقيق في الشكاوى المقدمة ضد الأطباء وفرض العقوبات المناسبة، مثل الإنذارات، الإيقاف المؤقت عن العمل، أو سحب الترخيص في الحالات الخطيرة.
خاتمة
تشمل معايير الخطأ الطبي في القانون المصري عدة جوانب تتعلق بمدى التزام الطبيب ببذل العناية اللازمة والالتزام بالأصول العلمية والفنية للمهنة. تختلف طبيعة الخطأ ومدى جسامته، وتستخدم المحاكم معايير موضوعية وشخصية لتحديد المسؤولية. تهدف هذه المعايير إلى حماية حقوق المرضى وضمان تقديم الرعاية الصحية بجودة عالية.
المراجع
“كتاب المسئولية الطبية” – محمد حسين منصور
“كتاب التأمين من المسؤولية المدنية للأطباء” – أشرف جابر سيد
“كتاب الخطأ الطبي” – علي عصام غصن
“كتاب الخطأ الطبي الجراحي” – منير رياض حنا
“كتاب المسؤولية الجنائية عن الأعمال الطبية” – صفوان محمد شديفات
“كتاب المسئولية المدنية للطبيب” – عبد السلام التونجي
“كتاب جرائم الخطأ الطبي والتعويض عنها في ضوء الفقه والقضاء” – شريف أحمد الطباخ
“كتاب المسئولية المدنية في مجال طب وجراحة الأسنان” – محمد عبد الظاهر حسين
ashrf_mshrf@hotmail.com
www.ashrfmshrf.com/wp
00201224321055
01224321055